الدقهلية و الثورة العرابية
[b]
كلنا يعرف الظروف التى أعقبت حفر
قناة السويس وكيف أن سياسة إسماعيل
وتبذيره على شهواته وملذاته أوقعت
البلاد في ضائقة مالية لم يكن لها من
مبرر .
فأودت هذه الضائقة بإسماعيل
نفسه وبالبلاد فأوقعتها فريسة سهلة
في يد الأجنبي الذي تدخل في شئونها
وسيطر على اقتصادياتها وسياستها
وأدارتها..
ولم يجد أبعاد إسماعيل شيئاً
في إصلاح هذه الحال التي بلغت مداها
من السوء والفساد، فقد خلفه توفيق
صنيعه الاستعمار وعميله الأول ، والذي
يدين لإنجلترا بتوليته الحكم. تحيطه
حاشية من أمثال رياض التركي الأصل
، ونوبار الأرمني، وعدد من الأتراك
المرتزقة الذين تقلدوا المناصب الرئيسية
في الجيش، فكانت لهم وحدهم القيادة
والسيادة ، وكان بأيديهم الآمر والنهى،
فحرموا الأكفاء من أبناء الشعب الذي
كانوا فى تقديرهم (فلاحين ) لا يصلحون
لمثل هذه المناصب وهم الذين شهد لهم
التاريخ بحسن البلاء في
حروبهم ببلاد اليونان
، ثم بانتصاراتهم الرائعة على بنى جلدتهم
جيوش السلطان العثماني في الشام وآسيا
الصغرى، وكادوا يدقون بمدافعهم أبواب
عاصمة العثمانيين (إستانبول) ذاتها.
ولم ينم الشعب على
هذا الضيم بل رفع صوته عالياً
مطالباً بحقوقه في ثورة عارمة قادها
ضابط من الشعب، والتف حوله زملاؤه من
الضباط الأحرار ذلك هو الضابط احمد عرابي
الذي اصبح زعيماًَ شعبياً التفت حوله
القلوب وأيدته وفوضته نائباً عنها يحقق
لها ما تصبوا إليه من العزة والكرامة.
وكان حول عرابي في انتفاضته
هذه الضباط وجنود أحرار
من صميم هذا الشعب المكافح ومن أبناء
الفلاحين البواسل الذي ذاقوا من اضطهاد
أسرة محمد على واستغلالها الكثير
فتاقت نفوسهم إلى الخلاص من نيران هذا الطغيان
،وكان بلاؤهم الحسن في الثورة العرابية.
ولقد لعبت الدقهلية دورها في
هذه الثورة، وسمهم أبناؤها بنصيب
مشرق في البطولة والتضحية فاستشهد
منهم من استشهد في ساحة العزة والشرف.
وإذا كانت الثورة العرابية
لم تحقق أهدافها فقد كان ذلك نتيجة لعوامل
أبرزها خيانة الإقطاعيين، وممالأة الباشوات
للاستعمار وللحاكم الأجنبي المتسلط ، لأنهم
شاركونه في استغلال هذا الشعب بصورة بشعة
تحميها الألقاب التي يخلعها عليهم، وأكثرهم
من اسر جلبها محمد على ، واقطعهم الأرض فتوار
ثورها حتى اصبحوا هم السادة ، وأصحاب
الأرض الحقيقيون هم العبيد الأجراء.
وكان ثمن هذه
الخيانة أن منيت البلاد بالاستعمار الإنجليزي
البشع، وظل أهلها يرزحون تحت نيره سنوات
طوال، تغلى في قلوبهم مراجل الحقد على هذا
المصير يتلفتون للدليل الذي يتبعونه في
رحلتهم نحو الحرية، فهم على طول الطريق
يتلفتون للدليل الذي يتبعونه فى رحلتهم
نحو الحرية.
وسار بهم في هذا السبيل القويم
مصطفى كامل الذي اسلم الرسالة من بعده إلى
محمد فريد. ولكن الاستعمار البغيض، والحاكم
الأجنبي ، الإقطاع الجشع هذا الثالوث الرهيب
لم يغفلوا عن مناهضة هذه الانتفاضات ،
وتعويقها كي لا تبلغ غايتها..
إلى أن قامت
الحرب العالمية الأولى سنة 1914 وفرضت على
المصريين الأحكام العرفية، وقبضت على أصحاب
الآراء الحرة ونفتهم خارج البلاد ، كما جندت
بالقوة اكثر من مليون من المصريين، وأرسلتهم
وقوداً إلى ميادين القتال المختلفة في الشام
والعراق ، واستولت على خيرات البلاد ووسائل
النقل فيها .. فقاست البلاد من ذلك ما قاست
مؤملة الخلاص من هذا الجور عندما تنتهي
الحرب العالمية الأولى، فيجلو المستعمر
كما وعدها وتحصل البلاد على استقلاها.
وانتهت الحرب ولم
يف المستعمر بوعوده، وكان لابد للشعب من عمل
إيجابي ليحقق أمنيته، فكانت ثورة سنة 1919.
[/b]